الشريف لمراني عازف الموندلين أو العازف الموسيقي بامتياز لم يدخل هذا المجال كهاو ، بل تربى في أحضانه، إذكان والده رئيس جوق وهران بالجزائر ثم تمرس على فن العزف، وهو صغير وشارك في عدة مناسبات وعمره لم يتجاوز الثامنة بعد·
وحتى في مسيرته الفنية التي جمعته بباقي الأفراد داخل مجموعة لمشاهب، فالمرحوم كانت دائما له رغبة في التجديد، سواء على المستوى الغنائي أو الموسيقي أو هما معا بدءا بحضور الصوت النسوي في البداية مع سعيدة بيروك ، أو سواء من خلال التجربة المميزة مع مجموعة "ديسدَانْتي" الألمانية في غناء مشترك في بداية الثمانينات، إذ كانت مجموعة لمشاهب من بين المجموعات العربية النادرة التي دخلت غمار هذه التجربة، أو من خلال تطعيم أعضاء مجموعة لمشاهب في ماي 1995 بمجموعة من الشباب الموسيقيين الذين يعزفون على آلات غربية ، ثم فيما بعد معاودة إدخال العنصر النسوي داخل المجموعة قبل أن تعود هذه المجموعة مع نهاية 2002 وبداية 2003 من جديد لتجربة الانطلاقة الأولى·
ولابد في هاته الورقة من الإشارة إلى اللقاء الذي جمعني بالمرحوم الشريف لمراني في ماي 1995 الى جانب المرحوم محمد باطما والسوسدي وحمادي، وكانت المناسبة إجراء حوار مع المجموعة وهي تستعد لوضع اللمسات الأخيرة لإصدار ألبومها الذي يحمل عنوان "البوسنة" · وكان وقتها الشريف لمراني، العائد من تونس بعد ثمان سنوات قضاها هناك في تجربة موسيقية أخرى ، جاء بفكرة ترمي الى تحديث طريقة الأداء والعزف داخل المجموعة· وهو ما مكن من التآم المجموعة من جديد بكل عناصرها، المرحومين محمد باطما والشريف لمراني ثم السوسدي وحمادي والشادلي شافاه الله، إضافة الى عناصر موسيقية جديدة، وظهرت "لمشاهب" في حلة جديدة : فقط آلة الموندولين لعازفها الشريف لمراني وأعضاء المجموعة الجدد يصاحبونه بآلات إيقاع غربية، في حين كان باطما والسوسدي وحمادي والشادلي يغنون لأول مرة بدون آلات·
ومعلوم أن عدة عوامل سمحت بوجود نوع من التقاطع بين أعضاء المجموعة فصوت محمد باطما الآتي من الشاوية والسوسدي من سهول الأطلس والشادلي من تخوم الصحراء وحمادي من مراكش الحمراء إضافة إلى الشريف لمراني المتمرس على الغرناطي الجزائري، والذي استطاع أن يمزج بين ما هو شعبي مغربي من جهة، وغربي من جهة ثانية· طبعا دون أن ننسى النصوص التي كانت تغنيها المجموعة ، وهي نصوص موزعة بين ثلاثة زجالين : باطما والسوسدي والشادلي ، كل هذه العوامل كانت مساعدة لأن تتبوأ "لمشاهب" مكانة خاصة في الساحة الفنية، وأن تتميز بلونها الغنائي الخاص الى جانب مجموعتي "ناس الغيوان" و "جيل جيلالة"، وذلك بالرغم من فترات المد والجزر التي عرفتها المجموعة في مسيرتها الفنية منذ مطلع الثمانينات·
والآن وقد رحل الشريف لمراني وقبله محمد باطما فالأكيد أن هذا الغياب سيترك فراغا ملحوظا، لكن هذا يجب أن يدفع باقي عناصر المجموعة ، الى جانب سعيدة بيروك الملتحقة من جديد بالمجموعة ، إلى التمسك بالاستمرارية وضخ دماء جديدة داخل المجموعة على النحو الذي سارت عليه كل من "ناس الغيوان" و "جيل جيلالة"، ولكن أيضا من دون أن تفقد التجربة قيمتها الفنية·
قبيل وفاته بلحظات، التفت الفنان الشريف الى اخته وطلب منها ان تشغل شريطا صوتيا للمشاهب· لبت الاخت رغبته وأخذ في الانصات لبرهة ثم طلب منها توقيف الشريط· قبل ان يطالبها بإعادة تشغيله·
انصت هذه المرة بإمعان ومسح بيده علي صدره، ثم اردف دمعة قبل ان يغمض عينيه الى الابد·
مات الشريف اذن وفي قلبه مجموعته التي انشد معها اروع الالحان· مات وأذناه تحملان اصوات محمد باطما· محمد سوسدي· الشادلي، حمادي، وسعيدة· وكأنه في وداعه الاخير اشتاق الى دفء لمشاهب التي عاش في حضنها سنين طويلة·
ربما في تلك اللحظة كان يستعيد تاريخ المجموعة، ومختلف الظروف التي ستجمعه برفاق الدرب· ربما عادت به الذاكرة الى البدايات والى المجد الذي حققه رفقة مجموعته وربما كان يفكر في محمد باطما الذي سبقه الى دار البقاء· في هذ الورقة سنعرض رحلة الشريف لمراني مع لمشاهب وجانبا من سيرته الذاتية·
